السبت، 25 يوليو 2015

فصل : السواقة في الصلاة

بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده

فصل : السواقة في الصلاة

كتب : محمد الأنور ( أبو عبد الله المدني , تبيين الحق ) :

التاريخ : يوم شِيَار ( السبت ) , 9 من شوال 1436 هـ ، 25 / 7 / 2015 م .

أقصد بالسواقة في الصلاة : الإمامة , فالصلاة المحرفة عبارة عن سائق أو قائد أو إمام , ومسوق أو مقود أو مأموم .

أولاً : أدلة بطلان السواقة وابتداعها :

1 ـ عدم وجود الدليل على السواقة :

لا يوجد دليل على السواقة في الصلاة , ومن ثم فهي بدعة , لأنه من المعلوم أن العبادات توقيفية , أي أن الأصل فيها التحريم ما لم يأت دليل بالمشروعية , والسؤال : أين الدليل على مشروعية السواقة ؟

هل أمر الله تعالى أن تكون الصلاة بسائق ومسوق ؟

لا يوجد في كتاب الله ما يدل على ذلك .

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

2 ـ عدم وجود واسطة أو مشيخة أو كهنوت في الإسلام :

فالصلاة صلة بين العبد وربه , ولا توجد واسطة بين العبد وربه فيها أو في أي عبادة أخرى , ولا يوجد كهنوت في الإسلام , ومن ثم فمن أراد أن يتوسط بين الناس وبين ربهم , فهو لص يريد أكل أموالهم أو مريض يريد الزعامة أو محرف يريد إفساد دينهم .

وهل حرف الدين إلا الكهنة والسائقين ؟

قال تعالى : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) " ( الأعراف ) .

قال تعالى : " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [الجاثية : 23]

قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [التوبة : 34]

قال تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ " [آل عمران : 187]

قال تعالى : " ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ " [الحديد : 27]

قال عبد الله بن المبارك :

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 ـ الصلاة على النبي :

هل صلى الصحابة على النبي بسائق يسوقهم ؟

ـ مسند أحمد بن حنبل : (20268)- [20239] حَدَّثَنَا بَهْزٌ، وَأَبُو كَامِلٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ يَعْنِي الْجَوْنِيَّ، عَنْ أَبِي عَسِيبٍ أَوْ أَبِي عَسِيمٍ، قَالَ بَهْزٌ: " أَنَّهُ شَهِدَ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "، قَالُوا: كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْهِ؟ قَالَ: " ادْخُلُوا أَرْسَالًا أَرْسَالًا "، قَالَ: " فَكَانُوا يَدْخُلُونَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، فَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ "، قَالَ: فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُغِيرَةُ: " قَدْ بَقِيَ مِنْ رِجْلَيْهِ شَيْءٌ لَمْ يُصْلِحُوهُ "، قَالُوا: فَادْخُلْ فَأَصْلِحْهُ، فَدَخَلَ وَأَدْخَلَ يَدَهُ، فَمَسَّ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: " أَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ "، فَأَهَالُوا عَلَيْهِ التُّرَابَ حَتَّى بَلَغَ أَنْصَافَ سَاقَيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَكَانَ يَقُولُ " أَنَا أَحْدَثُكُمْ عَهْدًا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رجاله رجال الصحيح‏ ) .

قال ابن عبد البر : ( وأما صلاة الناس عليه أفذاذاً - يعني : على النبي صلى الله عليه وسلم - فمجتمع عليه عند أهل السير وجماعة أهل النقل ، لا يختلفون فيه )  . ( التمهيد 24/397 ) .

تنبيه : أنا أستدل بآثار الفرق الضالة لأحتج بها عليهم , وليس لأنها صحيحة عندي , فلم يصح عندي من آلاف الآثار إلا عدة آثار .

ولقد اطلعت على تبريرات الفرق الضالة في ذلك فوجدتها عبارة عن تحريفات وتخاريف , فالأمر مبين , والأثر السابق يدل على أن الصلاة لا تكون بسائق ومسوق .

ولقد قال البعض أنهم لم يصلوا بإمام لأن النبي هو الإمام , والسؤال : إذاً لماذا تصلون بإمام الآن ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

4 ـ التلاوة في الصلاة :

قال تعالى : " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا " [الإسراء : 110]

قال تعالى : " وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ " [الأعراف : 205]  .

والجهر هو رفع الصوت , والمخافتة هي الإسرار .

والسؤال : إذا كان الله أمرنا بأن تكون تلاوتنا بين الجهر والمخافتة , فكيف يكون هناك سائق ومسوق ؟ وكيف يلتصق المصلون ببعضهم , فيشوشون على أنفسهم وتلتبس عليهم قراءاتهم ويخطئون ويزول عنهم ركوعهم ؟

من تخاربف المحرفين أن قالوا أن الخطاب خاص بالنبي وأن المعنى : ( لا تجهر بصلاة النهار، ولا تخافت بصلاة الليل ) . انتهى

وهذا الحمق لا يقبله عاقل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

5 ـ عدم وجود مكان للإمام في عهد النبي أو القرن الأول :

والمحراب هو المسجد والقصر والغرفة وصدر المجلس .

قال الله : " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37) هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41) " ( آل عمران ) .

قال الله : " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا " [مريم : 11]

وهذا دليل أن المحراب ليس مكان سواقة , ودليل على عدم وجود سواقة , لأن زكريا كان يصلي بمفرده في المحراب ثم خرج على قومه .

قال الله : " وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ " [ص : 21]

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ( قلت : المحاريب صدور المجالس ) . انتهى  .

وقال ابن الأثير في النهاية) : المحْرابُ : المَوْضع العَالي المُشْرِفُ ، وهُو صَدْر المَجْلس أيضاً ، ومنه سُمّي محْراب المسْجد ، وهو صَدْرُه وأشْرَف مَوْضِع فيه ) . انتهى  .

ثم حرف هذا المعنى وأصبح ‏ المحراب فجوة في جدار قبلة المسجد يقف فيها السائق في الصلاة ‏.

ومن المعلوم أن هذه الفجوة لم تكن موجودة على عهد النبي , ولا في القرن الأول ، وإنما ظهرت في القرن الثاني وتتابع المسلمون على بنائها في مساجدهم .

وذهب بعض العلماء إلى أن اتخاذ هذه المحاريب بدعة ، ويجب النهي عنها ، واستدلوا بما رواه الطبراني والبيهقي في سننه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " اتَّقُوا هَذِهِ الْمَذَابِحَ " يَعْنِي الْمَحَارِيبَ . ( صححه الألباني في صحيح الجامع ,  120 ) .

ولقد عدَّ بعض أهل العلم هذه الفجوات في المساجد من البدع ومن التشبه بالكافرين

وقال المناوي في فيض القدير : (( أي : تجنبوا تحري صدور المجالس يعني التنافس فيها، ووقع للمصنف ( يعني السيوطي ) أنه جعل هذا نهياً عن اتخاذ المحاريب في المساجد والوقوف فيها وقال : خفي على قوم كون المحراب بالمسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المئة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه . . . )) .

قال علي محفوظ : ( ومن البدع تزويق المساجد واتخاذ المحاريب وزخرفتها , ولم يكن شيئاً من ذلك في العهد الأول , وأمر عمر رضي الله عنه ببناء مسجد وقال للبناء : أكِنَّ الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر , وأول من ابتدع زخرفة المساجد الوليد بن عبد الملك , وكذلك اتخاذ المحاريب إنما ابتدع آخر المائة الأولى ) . ( الإبداع في مضار الابتداع , علي محفوظ , ص : 183 ) .

والسؤال : لمن يبيح هذه الفجوات : لماذا خالفتم أصولكم وأبحتم البدعة ؟ هل كان الدين ناقصاً حتى تكملوه ؟

ــــــــــــــــــــــــــ

6 ـ تخطيط المساجد :

يقول الأثريون أن النبي لم يقم بتخطيط المساجد , وهذا يعني أن القيام بتخطيط المساجد بدعة , وليس من المصالح المرسلة .

حيث تنفرد المصلحة المرسلة بأن عدم وقوعها في عصر النبوة إنما كان لأجل انتفاء المقتضي لفعلها ، أو أن المقتضي لفعلها قائم لكن وجد مانع يمنع منه ، بخلاف البدعة فإن عدم وقوعها في عهد النبوة كان مع قيام المقتضي لفعلها ، وتوفر الداعي ، وانتفاء المانع   .

والسؤال : هل تخطيط المساجد من الصالح المرسلة أم من البدع ؟

وإذا قال مقلد أنها من المصالح المرسلة فليجب : هل كان المقتضى منتفياً في عصر النبي , أم كان قائماً ولكن وجد مانع يمنعه ؟

ما هي الأحوال التي تغيرت فأباحت تخطيط المساجد ونقلته من البدعة إلى المصالح المرسلة ؟

لن يستطيع مقلد الإجابة , لأن تخطيط المساجد هو بدعة طبقاً لأصول الأثريين .

ولكن الكثير من الأثريين قاموا بمخالفة أصولهم وقالوا أن تخطيط المساجد أمر مشروع , وذلك لأنه يستحيل أو يصعب مساواة صفوف المصلين بدونه .

والسؤال : كيف كان النبي يسوي الصفوف إذاً بدون تلك الخطوط ؟ أم أن الصلاة ليس بها هذه الصفوف المبتدعة ؟

على الأثريين أن يختاروا بين أمرين :

الأمر الأول : أنهم مبتدعة قد خططوا المساجد وفعلوا ما لم يفعله النبي .

الأمر الثاني : لا توجد صفوف في الصلاة , فكل إنسان يصلي منفرداً وليس ملاصقاً لصاحبه .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

7 ـ القياس :

بالقياس على صلاة التهجد , وبالقياس على بقية العبادات فلن يكون هناك سائق في الصلاة إلا في حالة الجهل .

وهل يوجد لدينا سائق في الصيام يسوقنا في الإمساك والإفطار ؟ هل يوجد لدينا سائق يجب أن نراه وهو يمسك عن الطعام حتى نمسك ؟ هل يوجد لدينا سائق كلما أكل ملعقة أكلنا مثله وكلما شرب شربة شربنا مثله ؟

وهل يوجد قائد يقود من يعلم مناسك الحج ؟

وهل لنا قائد في الإنفاق أو الصدقات ؟

بالقياس على بقية العبادات سيتبين لنا أنه لا يوجد قائد في الصلاة إلا إذا كان معلماً لمسوقين جهلاء .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

8 ـ الركوع : سد ذريعة إفساد السائقين للركوع :

أليس الركوع ( الانحناء وطأطأة الرأس والخضوع والخشوع والتواضع  والاطمئنان ) فرض ؟

ألا تعلمون أن السواقة تذهب الركوع والتدبر من السائق والمسوقين ؟

قارنوا بين صلاة الإنسان بنفسه , وكيفية تدبره وركوعه , وبين صلاته سائقاً أو مسوقاً , وهل استطاع أحد منا أن يركع أو يتدبر وهو سائق أو مسوق ؟

وسداً لذريعة إفساد الركوع أو تكبر السائقين لا توجد سواقة , فضلاً عن أنه لا يوجد دليل عليها كما سبق .

أما إذا كان السائق ضالاً فهو أشد إفساداً للركوع ,فمن المعلوم أنه لا توجد عصمة لأحد , وكلنا يعلم حال الأئمة , وكلنا يراهم وهم يعصون الله تعالى , والسؤال : ما حال صلاتك وأنت تصلي خلف سائق جاهل أو ضال أو فاسق أو فاجر ؟

بالتأكيد سيضيع ركوعك ( خشوعك وخضوعك واطمئنانك ) , ولن تشعر بالقرب من الله تعالى بعد صلاتك , فهي كالعدم .

أعلم أن الفرق الضالة ستقول : تجوز وتصح الصلاة خلف كل فاجر وفاسق .

واقول : أنا أتكلم عن مسألة الركوع وليس الجواز الصحة , فالصلاة بسائق تفسد الركوع , خاصة إذا كان السائق فاسقاً أو فاجراً .

أما مسألة الجواز والصحة , فأقول : لا يجوز ولا يصح إلا ما وافق القرآن , والسؤال : هل أخبرنا الله تعالى بأن الصلاة لا بد أن تكون بسائق ؟

لا توجد آية تدل على ذلك .

وعلى فرض وجود أدلة على الإمامة في الصلاة , أليس للإمام شروط إن انتفت بطلت إمامته ؟

سأذكر مثالين على إمامين يفسدا ركوع أي راكع :

المثال الأول : منذ سنوات كنت أمشي في إحدى طرق الرياض في بلاد الحرمين , وإذا برجل قد أوقف سيارته وناداني : هل تريد أن تؤذن ؟  ففرحت , وقلت له : نعم .

وكان هذا الرجل مؤذناً بأحد مساجد الرياض في الحي الذي كنت فيه , وكان سيذهب للحج , وسافر المؤذن , وكان من أحسن الناس خلقاً وأطلقهم وجهاً , ثم بدأت في الأذان وتعاملت مع رجل من أسوأ الناس الذين قابلتهم في حياتي , رجل جاهل , متكبر , غليظ , جلف , بدرجة إمام مسجد .

وكنت أتساءل في نفسي : كيف يكون هذا إماماً للناس ؟ كيف عينته الدوله في هذا العمل ؟ وكيف اختار هو هذا العمل ؟

وكنت أقول حينها : إن المشكلة فيمن جعله إماماً لمن نعالهم أفضل منه .

كما كنت أتساءل : كيف أني أبتعد عن الإمامة لمسئوليتها , بينما هذا يهرع إلى وظيفة إمام مسجد ؟

فحينما كان يتصل بي هذا الجاهل لكي أؤم الناس بدلاً منه لظروف لديه أعتذر في حالات وأقبل في حالات على مضض .

والسؤال : ما حال صلاتك خلف سائق مثل هذا التافه ؟

ما حال ركوعك وتدبرك ؟

المثال الثاني : إمام مسجد , رآه الناس وهو يسرق , ورأيته وهو يخون ويأخذ حق غيره , وأخيراً كنت ماشياً في أحد الطرق وكان يمشي أمامي , وقابلتنا امرأة متبرجة شبيهة بالمهرج ( البلياتشو ) فأخذ ينظر إليها , وعندما تجاوزته أخذ يلتفت إليها , ثم وقف وحك رأسه وكأنه نسي شيئاً من المحلات ـ يحاول خداعي ـ , ورجع , فنظرت إليه فوجدته لم يأخذ طريق المحلات بل مشي خلف البلياتشو .

حتى ذوقه في النسوان زي الزفت .

والسؤال : ما حال صلاتك خلف هذا الأهبل ؟

ما حال ركوعك وتدبرك ؟

أنا لا أدعي لنفسي العصمة , ولا أقول أن كل النظر محرم , ولكني لا أعمل كاهناً ولا أريد كهنوتاً في الإسلام مثلهم , ومن أراد أن يكون كاهناً فليكن معصوماً ولن يستطيع , وليعلم أولاً أن الإسلام ليس فيه مشيخة أو كهنوت , أي أن من أراد أن يكون كاهناً فليبحث له عن دين آخر .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثانياً : متى تشرع السواقة :

إن السواقة في الصلاة تشرع عند الجهل بكيفيتها أو أوقاتها , وذلك مثل السواقة في الحج لمن يجهل المناسك .

فإذا كنت جاهلاً فلك أن تصلي بصلاة من يحسن الصلاة حتى تتعلم , لا أن تجعل السواقة هي الأصل في صلاتك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثالثاً : شبهات الجهلاء :

قد يستدل البعض على السواقة في الصلاة بالآيات التالية :

1 ـ قال تعالى : " وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا " [النساء : 102]

وهذا الاستدلال خاطئ لأن الله تعالى قال : " فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ " , ولم يقل فليصلوا خلفك أو فليصلوا بصلاتك أو فلتؤمهم أو فلتسقهم أو فلتقدهم .

والسؤال : أليس السلفيون هم من كانوا يهاجمون الصوفية والإخوان عندما كانوا يذكرون ذكراً جماعياً بقائد يذكر ومقودين يتلون بعده , ويقول السلفيون أن ذلك بدعة ؟

لماذا لا ينكر السلفيون على أنفسهم السواقة في الصلاة من باب أولى ؟

2 ـ قال تعالى : " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) " ( البقرة ) .

3 ـ قال تعالى : " وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) " ( آل عمران ) .

وهذا الاستدلال خاطئ , لسببين :

السبب الأول : أن الركوع لا يعني التوطية , بل يعني الخشوع والخضوع والاطمئنان .

السبب الثاني : أن الركوع عام ولا يقتصر على الصلاة فقط , والسؤال : كيف يزعم عاقل أن الركوع خاص بالصلاة رغم أن الصلاة سبق ذكرها في نفس الآية ؟

إن الركوع عام في سائر العبادات , فيجب على العبد في الصلاة وفي غيرها أن يكون راكعاً مع الراكعين أي خاشعاً مع الخاشعين , قال تعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " [المائدة : 55]

والسؤال : هل الركوع عند إيتاء الزكاة معناه سائق ومسوق ؟ أو معناه توطية المسوقين اقتداء بتوطية السائق ؟ أم أن معناه الخشوع والخضوع ؟

ماذا يعني قوله تعالى : " وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ" , وقوله تعالى "وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" ؟

المعنى هو واخشعوا مع الخاشعين , واخشعي مع الخاشعين .

والسؤال : هل قال الله تعالى لبني إسرائيل : واركعوا خلف الراكع أو بعد الراكع ؟

هل قالت الملائكة لمريم : واركعي خلف الراكع أو بعد الراكع ؟

إن كلمة الراكعين جمع مذكر سالم , فهل مريم ستصلي بجانب الذكور , أم تقتدي بهم , أم أن المعنى تخشع مع الخاشعين ؟

4 ـ قال تعالى : " فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ " [آل عمران : 39]

والسؤال : هل في الآية ما يفيد أنه كان يسوق الناس في الصلاة , أو أنهم كانوا يقتدون بصلاته ؟

فائدة : قال تعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " [المائدة : 55] , يتأتى هذا الركوع باليقين من الآخرة , قال تعالى : " الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " [النمل : 3] , وقال تعالى : " الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ " [لقمان : 4] , أما من كفر بالآخرة فلن يركع , قال تعالى : " الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ " [فصلت : 7] .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق