الاثنين، 15 يونيو 2015

ردود خاصة بمسألة الإجماع

رسالة : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده

فصل : ردود خاصة بمسألة الإجماع

كتب : محمد الأنور آل كيال

أحب أن أشير في البداية إلى أن عدد فروض الصلاة أمر خلافي وكذلك كيفية الصلاة , ولكني لم أر من قال أن الصلاة فرضان ونافلة غيري , وما توفيقي إلا بالله , فهذا هو الذي يوافق القرآن والعقل والحكمة وأصول الفقه .

ولقد زعم أخونا بنور صالح أن عدد الفروض ثلاثة , وهذا خطأ , كما أنه أخطأ في الوقت , انظر رسالتي : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده , باب : إلى بنور صالح 1 , وباب : إلى بنور صالح 2 , وباب : إلى بنور صالح 3 .

أولاً : الرد على من يقول : أن الإجماع هو المصدر الثالث للتشريع وأنه محفوظ :

أقول : إن الله تعالى لم يحفظ الإجماع ولم يعصمه من الزلل أو الخطأ , ومن قال أن الإجماع محفوظ فعليه بالدليل الصحيح الصريح , ولن يستطيع , فالسلفيون يعلمون أن الروايات التي تزعم حفظ الإجماع باطلة , وهي :

( إنَّ اللهَ أجارَ أمتي أن تجتمعَ على ضلالةٍ ) , قال الذهبي : ( فيه مصعب بن إبراهيم القيسي قال العقيلي : في حديثه نظر ، وقال ابن عدي : منكر الحديث ) . المصدر : ميزان الاعتدال  . وقال ابن حجر : (فيه مصعب بن إبراهيم القيسي قال ابن عدي: مجهول، وأحاديثه عن الثقات ليست بالمحفوظة ) . المصدر : لسان الميزان .

وكالمعتاد حسنه إمام المتساهلين في صحيح الجامع وفي تخريج كتاب السنة , بينما حسنه بمجموع طرقه في سلسلته الصحيحة .

وفي رواية ( لا تجتمعُ أمَّتي على خطإٍ ) , قال العرقي :  ( فيه نظر ) , المصدر : تخريج مختصر المنهاج .

أما أنا فأشترط في السند ثلاثة شروط وهي : 1 ـ القوة ( الضبط ) , 2 ـ الأمانة ( العدل ) , 3 ـ ثبوت التلقي الخاص أو ثبوت تلقي عين الأثر أو صحة التصريح بالسماع , ولو بحثنا في الآثار فلن تتحقق تلك الشروط في أي أثر .

فأثر حفظ الإجماع باطل والسلفيون يعلمون ذلك .

والسؤال : لقد خالف السلفيون الإجماع في الكثير من المسائل , فكيف يزعمون حفظ الإجماع أو عصمته ؟ وكيف ينكرون على من خالف الإجماع ؟

وقد يستدل البعض على الإجماع بقوله تعالى : " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء : 115]

وأقول لمن هداه اجتهاده وفهمه إلى الاستدلال بهذه الآية على الإجماع : إن هذه الآية حجة عليك , لأننا إذا سلمنا جدلاً بوجوب اتباع الإجماع لوجب علينا الالتزام بشروط الإجماع المستنبطة من الآية السابقة وغيرها من الآيات , ولقد استنبطتُ الشروط التالية من القرآن , وهي :

الشرط الأول : أن يكون موافقاً لما جاء به الرسول , ولقد جاء رسولنا بالقرآن , أي أن أول شرط للإجماع ألا يخالف القرآن .

قال الله : " وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " [الأحزاب : 2]

وقال الله : " وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ " [يونس : 109]

وقال الله : " وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ " [الزمر : 55]

وقال الله : " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " [غافر : 7]

وقال الله : " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [النساء : 115]

وعلى ذلك فإذا أجمعت الأمة على ما يخالف القرآن كان إجماعاً فاسداً ووجب مخالفته واتباع القرآن .

ولقد خالف الإجماع آيات الصلاة المبينة في القرآن , فوجب اتباع القرآن ونبذ هذا الإجماع .

الشرط الثاني : أن يكون إجماعاً من المؤمنين , لقول الله " سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ " .

فلو أجمع الظالمون أو الفاسقون أو الكفار أو المنافقون على شيء فهو إجماع غير ملزم .

الشرط الثالث : أن يكون إجماعاً من العلماء .

قال الله : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [النحل : 43]

وقال الله : " وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " [الأنبياء : 7]

وقال الله : " الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا " [الفرقان : 59]

وقال الله : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " [النساء : 83]

فلو أجمع الجهلاء على أمر معين فلن يلزم العقلاء اتباعه .

الشرط الرابع : أن يكون موافقاً للفطرة .

قال الله : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " [الروم : 30]

فإذا أجمعت الأمة على ما يخالف الفطرة وجب رد هذا الإجماع واتباع الفطرة .

الشرط الخامس : أن يكون موافقاً للعقل والحكمة .

قال الله : " كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " [البقرة : 242]

ومن الحكمة أن يكون موافقاً للحال والمصالح .

فلو أجمعت الأمة على ما يخالف العقل والحكمة كان إجماعاً أحمقاً ولا يجوز اتباعه , بل يجب اتباع العقل والحكمة .

الشرط السادس : أن يكون إجماعاً حقيقياً لا مزعوماً .

وهذا متعذر فالسنيون والسلفيون يرددون المقولة التالية : ( من ادعى الإجماع فقد كذب , وما يدريه لعل رجلاً في أقاصي البلاد قد خالف الإجماع , فكم في الزوايا من خبايا ) .

والسؤال لمن يزعم حجية الإجماع : هل توفرت شروط الإجماع في إجماعك المزعوم ؟

هل صلواتك الخمس المزعومة موافقة للقرآن ؟

بل مخالفة ولاغية لآياته .

هل صلواتك الخمس المزعومة موافقة للعقل ؟

هل يعقل نسخ المتقدم للمتأخر ؟

هل صلواتك المزعومة توافق الحكمة ؟

هل من الحكمة الصلاة وقت القيلولة ؟

هل من الحكمة الصلاة وقت إفطار الصائم في صيامكم ؟

هل من الحكمة الصلاة وقت العتمة في المساجد ؟

هل من الحكمة نسخ القرآن بأثر ؟

هل من الحكمة نسخ المتلو بغير المتلو ؟

هل من الحكمة نسخ المتواتر بالآحاد ؟

هل من الحكمة نسخ الصحيح بالباطل ؟

هل أجمع العلماء على الصلوات الخمس ؟

لا , بل أمر خلافي , وكل من يؤمن بالصلوات الخمس مقلد وليس عالماً .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد على من يقول : أأنت المصيب بينما يخطئ الإجماع ويخطئ هؤلاء العلماء ؟

هذا رزق الله في الفهم والهدى , ومقياسكم في العظمة والعلم والفهم مختل .

قال الله : " وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) " ( الزخرف ) .

أنا على بينة من ربي وأتاني رحمة من عنده وعميت على هؤلاء .

قال الله : " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) " ( هود ) .

وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

قال الله : " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [هود : 88]

هذا هدى الله , الذي هداني الله إليه بينما أبى شيوخكم نور الله ونبذوه وراء ظهورهم .

قال الله : " وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [آل عمران : 73]

قال الله : " قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ " [الأنعام : 71]

قال الله : " ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " [الأنعام : 88]

قال الله : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " [النحل : 36]

قال الله : " اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ " [الزمر : 23]

ـــــــــــــــــــــــــــ

الرد على من يقول : إذا اختلفت مع الإجماع هل نتبعك ونترك الإجماع ؟

أقول إن هذا السؤال خاطئ فليس الأمر يتعلق بي , والصواب أن نقول إذا خالف الإجماع القرآن هل نتبع الإجماع ونترك القرآن ؟

لا يقول ذلك إلا مشرك أو مجنون أو جاهل .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد على من يقول : إن التسليم بكلامك معناه أن الله ترك أمة النبي حتى مجيء محمد الأنور فأزال به هذا الضلال والتحريف .

هذا الكلام قاله صديق سلفي لي , وأقول له :

ما الذي يضر الإسلام أو يضرك في ذلك ؟

وهل قال الله أنه سيحفظ أمة النبي من الخطأ ؟

إن الأمة أخطأت بسبب نبذها لكتاب الله وتقديم روايات المغفلين والمدلسين والوضاعين عليه .

فهل تريدون أن يبعث الله تعالى ملكاً عند عصيان الأمة ونبذها لكتاب الله وتحريفها لأحكامه تعالى ؟

إن الله لم يقل ذلك , بل إن القرآن يؤكد أن الأمم السابقة اختلفوا بعدما جاءهم الكتاب .

قال الله : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " [البقرة : 176]

وقال الله : " كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [البقرة : 213]

وقال الله : " تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ " [البقرة : 253]

وقال الله : " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " [آل عمران : 105]

وقال الله : " وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا " [النساء : 157]

وقال الله : " وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [يونس : 19]

وقال الله : " وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [يونس : 93]

وقال الله : " إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [النحل : 124]

وقال الله : " وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [الجاثية : 17]

فيرسل الله رسولاً أو نبياً ليبين لهم حكم الله فيما اختلفوا فيه :

قال الله : " وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [النحل : 64]

ولقد ختم الله الرسالات بالرسول محمد , لذا وجب علينا رد هذا الاختلاف إلى الله ليحكم بيننا , وليس انتظار رسول آخر .

والسؤال : هل ترضون بحكم الله ؟

قال الله : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ " [آل عمران : 23]

وقال الله : " وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ " [النور : 48]

وقال الله : " إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " [النور : 51]

ولكنكم رفضتم حكم الله وكفرتم به ونبذتموه وراء ظهوركم وقدمتم عليه كلام المحرفين والمقلدة , فلم يبق أمامنا وأمامكم إلا انتظار حكم الله في الآخرة .

قال الله : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [البقرة : 113]

وقال الله : " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39) " ( النحل ) .

وقال الله : " إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [النحل : 124]

وقال الله : " الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " [الحج : 56]

وقال الله : " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " [الزمر : 3]

والسؤال : هل قال الله أنه سيعصم هذه الأمة من المحرفين ؟

لا , بل الوارد غير ذلك .

قال تعالى : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ " [الأنعام : 112]

والخلاصة : إن الله قد عصم القرآن فقط من التحريف فهو المحفوظ أما الآثار أو الإجماع فلا , فلم يقل الله في القرآن أنه سيمنع الأمة من الاختلاف , بل بيَّن أنه سيحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد على من يقول أني خارج عن الإجماع لأني أختلف في شيء ما اختلف فيه أحد , والصواب عدم الاختلاف .

أقول : إن الله أمرنا في مسألة الاختلاف بأمور :

الأمر الأول : عدم الاختلاف أو التنازع :

قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) " ( آل عمران ) .

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) " ( الأتفال ) .

وقال الله : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) " ( هود ) .

وقال الله : " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) " ( الشورى ) .

الأمر الثاني : عند حدوث الاختلاف يجب أن يكون حكم المختلف فيه هو حكم الله تعالى .

قال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا " [النساء : 59]

وقال الله : " وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا " [النساء : 83]

ومن المعلوم أن النبي سيحكم بكتاب الله , وأن ولي الأمر إذا خرج عن كتاب الله وجب الخروج عليه .

فالحكم هو حكم الله , أما النبي فهو قاض يحكم بكتاب الله .

قال الله : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [الشورى : 10]

والسؤال : أين حكم الله الذي سيحكم به النبي وأولو الأمر؟

إنه القرآن .

قال الله : " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " [الرعد : 37]

ولكنكم أبيتم وكفرتم بحكم الله المبين في كتابه واتخذتم من دون الله شركاء فقدمتم كلامهم على كلامه تعالى .

والسؤال : هل تريدون مني أن أخالف حكم الله تعالى المبين في القرآن في أمر الصلاة واتبع إجماع شيوخكم ؟

هل تريدون مني مخالفة القرآن حتى لا أختلف معكم ومع أسلافكم ؟

هل تريدون أن أخالف القرآن وأقول إنا وجدنا آباءنا على أمة ؟

ولكن أغرب وأجرأ رد سمعته عندما سألتُ أحدهم هذا السؤال فقال : نعم خالف القرآن وقل إنا وجدنا آباءنا على أمة .

ولا أقول إلا الحمد لله على العافية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرد على من يقول لا يجوز الخروج عن الإجماع .

إن الأمة كانت ولا تزال تخرج عن الإجماع , فالإجماع ليس بمعصوم , وإليك بعض الأمثلة على خرق الإجماع وبطلان حجيته وعدم عصمته

المثال الأول : إجماع الآباء على الباطل .

قال الله : "  وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " [البقرة : 170]

وقال الله : "  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " [المائدة : 104]

وقال الله : "  فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ " [هود : 109]

وقال الله : " وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) " ( الأنبياء ) .

وقال الله : " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) " ( الشعراء ) .

وقال الله : "  بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) " ( الزخرف ) .

وقال الله : "  لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ " [يس : 6]

المثال الثاني : الإجماع على الصلوات في غير مواقيتها التي بينها الله في كتابه :

 فالأمة منذ سنوات طويلة تصلي في أوقات خاطئة والكل يعلم أن وقت الفجر والغسق ( التي يسمونها المغرب ) والعتمة ( التي يسمونها كذباً وتحريفاً بالعشاء ) عند المسلمين محرف .

تنبيه : لا توجد صلاة غسق أو عتمة ولكن المحرفين لا يفقهون .

المثال الثالث : الإجماع على أن الأرض كروية ثم قالوا بعد ذلك أنها بيضاوية .

المثال الرابع : خروج ابن تيمية ومقلديه عن الإجماع :

فهذا ابن تيمية قد خرج عن الإجماع في الكثير من المسائل , وقال فيه المحدث الحافظ الفقيه وليّ الدين العراقي ابن شيخ الحفّاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضيّة على الأسئلة المكيّة : "علمه أكبر من عقله "، وقال أيضا: "إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها". اهـ.

وقد أورد كثيراً من هذه المسائل الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي، ونقل ذلك المحدَّث الحافظ المؤرخ شمس الدين بن طولون في ذخائر القصر ، قال ما نصه: "ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع، فمنها ما خالف فيها الإجماع، ومنها ما خالف فيها الراجح من المذاهب، فمن ذلك: يمين الطلاق، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين، ولم يقل قبله بالكفارة أحد من المسلمين البتة، ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلآ وعظم الخطب، ووقع في تقليده جمّ غفير من العوام وعمّ البلاء. وأنَّ طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك وأنَّ من خالفه فقد كفر، ثم إنه أفتى بخلافه و أوقع خلقا كثيرا من الناس فيه. و أنَّ الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مباح لها. وأنَّ المكوس حلال لمن أقطعها، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وان لم تكن باسم الزكاة ولا على رسمها. وأنَّ المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها وأن الصلاة إذا تركت عمدا لا يشرع قضاؤها. وأنَّ الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد، وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلَّده فمنعته منه. وسئل عن رجل قدّم فراشا لأمير فتجنب بالليل في السفر، ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه بغلمانه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل. وسئل عن شرط الواقف فقال: غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء يصرف إلى الصوفية وبالعكس، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام، ولا يحضر درسا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيه ميعادا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس. وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.

وبغض النظر عن موافقتي لابن تيمية في تلك المسائل أو معارضتي له فيها أو في بعضها , فابن تيمية قد خرج عن الإجماع , وأنتم قد قلدتموه وخرجتم مثله عن الإجماع , فكيف تدعون حجية الإجماع أو عصمته ؟

ألا تعلمون أن شيوخكم قد قلدوه في مسائل الطلاق حتى صارت فتاوى ابن تيمية في الطلاق هي الفتاوى الرسمية وغير الرسمية في البلاد الإسلامية ؟

ألا تعلمون أنكم قلدتم ابن تيمية في فتاويه التي خرج بها عن الإجماع ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

وأختم هذا الفصل بحمق المقلدة وإصرارهم على التحريف والافتراء على الله تعال كذباً

حماقات أهل الإجماع

إذا تكلمت في الصلاة بكلام يوافق القرآن ولكنه يخالف تخاريفهم وتحريفاتهم قالوا أنني خارج عن الإجماع , وإذا ذكرت لهم أمثلة على خروج ابن تيمية على الإجماع قالوا : ( من ادعى الإجماع فقد كذب , وشيخ الإسلام لا يخالف الإجماع، ولكن يُخطِّئ من نقل الإجماع , وإلا فهو القائل:  وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ) . انتهى .

والسؤال : ألا تعقلون ؟

هلا قلتم ذلك لأنفسكم أولاً قبل الكلام معي ؟

إن معنى كلامكم أنكم لا تؤمنون بالإجماع , فهل تعقلون ما قلتم ؟

هل تؤمنون بالإجماع حقاً أم لا ؟

هل تؤمنون به إذا وافق هواكم وآراء شيوخكم وتكفرون به إذا عارضهما ؟

اتقوا الله واستمسكوا بكتابه وإذا رأيتم أي أثر أو أي إجماع أو أي قول يخالف كتاب الله فاطرحوا تلك التحريفات والزموا كلام الله .

لن تجدوا مشكلة في الإجماعات المزعومة التي توافق القرآن , ولكن سنجد مصائب وتحريفات في الإجماع المزعوم المخالف لكتاب الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق