الثلاثاء، 25 أغسطس 2015

الصلاة من يوم الجمعة هي الصلاة من نهار الاجتماع للتجارة أو الصلاة من نهار السوق

رسالة : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده

فصل : الصلاة من يوم الجمعة هي الصلاة من نهار الاجتماع للتجارة أو الصلاة من نهار السوق

كتب : محمد الأنور آل كيال :

التاريخ : يوم جُبَار ( الثلاثاء ) , 10 من ذي القعدة 1436 هـ , 25 / 8 / 2015 م .

العجيب أن البعض يفسر القرآن بالآثار الموضوعة التي لقنوها له في صغره , فيزعم وجود خطبة وصلاة في وقت ظهيرة يوم العروبة وأنها ركعتان واسمها صلاة الجمعة , وأنها مذكورة في القرآن .

والحق أن خطبة وصلاة الجمعة المبتدعة هي من قبيل تحريف المحرَّف أو الابتداع في المبتَدع , فصلاة الظهر بدعة ولقد حرفتها الفرق الضالة فجعلتها خطبة الجمعة وصلاة الجمعة يوم العروبة .

ولكي نعلم الحق لا بد أن نرد الحكم إلى الله تعالى وليس إلى مغفل أو مدلس أو وضاع .

قال الله : " وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ " [الشورى : 10]

وحكم الله في كتابه , قال الله : " وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ " [الرعد : 37]

قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) " ( سورة الجمعة ) .

ورغم أن الآيات مبينة فالقرآن نزل بلسان عربي مبين , إلا أنها متشابهة عند البعض , وكان يجب على من جهل معناها أن يردها إلى المحكم والمبين لا أن يردها إلى آثار المغفلين والمدلسين والوضاعين .

كما كان يجب عليه أن يبحث في اللسان العربي عن معناها , لا أن يقلد المحرفين .

فيوم الجمعة هو يوم خاص بالتجارة , كما هو مبين في الآيات .

ولكننا نرى الإخوة الأثريون يقولون أن المعنى هو : إذا نودي لصلاة الجمعة من يوم العروبة فاسعوا إلى الإنصات إلى الخطيب وصلاة الجمعة وذروا البيع .

وهذا الفهم باطل لأسباب كثيرة منها مفهوم المخالفة , فبمفهوم المخالفة : إذا نودي للصلاة من ليل الجمعة أو يوم وليل غير الجمعة فلا تسعوا إلى ذكر الله ولا تذروا البيع .

فهل يقول الإخوة الأثريون بذلك ؟

نتدبر معاً معنى كل كلمة :

أولاً : ما معنى يوم ؟

اليوم هو النهار , ويبدأ من بداية طلوع الشمس وينتهي بنهاية غروب الشمس .

أي أن الله أمرنا إذا نودي للصلاة من نهار الجمعة أن نسعى إلى ذكر الله وأن نترك البيع , ولم يأمرنا بفعل ذلك بالليل وذلك بمفهوم المخالفة , وهذا هو الحق , لأنه يوافق بقية آيات القرآن , مثل :

قوله تعالى : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) " ( النور ) .

وقوله تعالى : " فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [الأنعام : 96]

وقوله تعالى : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا " [الفرقان : 47]

وقوله تعالى : " وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) " ( النبأ ) .

فالصلاة في المسجد تكون بالنهار , وبالتحديد في طرفي النهار في الغداة والعشي , وليس بالليل .

فهل يقول الإخوة الأثريون بالقرآن وبمفهوم المخالفة ؟

والسؤال : إذا كان اليوم هو النهار فما هي الصلاة اليومية أو النهارية ؟

في كل القرآن لن نجد إلا صلاتين بالنهار وهما : صلاة الفجر وصلاة العشاء .

ومن ثم فالصلاة من يوم الجمعة تعنيهما ولا تعني غيرهما .

سؤال : هل قال الله لصلاة الجمعة أو قال لصلاة الظهر يوم الجمعة أم قال " لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " ؟

لا , بل قال تعالى : " لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ " , ومن ثم فالصلاة من يوم الجمعة لا بد أن تشمل صلوات اليوم وهي صلاة الفجر وصلاة العشاء , ومن أراد التخصيص أو التقييد أو الزعم بصلاة أخرى في وقت آخر فليأت بدليل من القرآن .

ثانياً : ما معنى الجمعة ؟

الجمعة من الجمع فهي تعني الجمع والاجتماع واللقاء , ثم أطلقت على يوم العروبة بعد ذلك .

ولقد اتفق العلماء على أن يوم الجمعة الآن كان اسمه يوم العروبة , ولم يكن اسمه يوم الجمعة .

فلقد كانت أسماء أيام الأسبوع : أَوَّل ، أَهْوَن ، جُبَار ، دُبَار ، مُؤْنِس ، عَرُوبَة ، شِيَار , ثم غيرت إلى , الأحد , الاثنين , الثلاثاء , الأربعاء , الخميس , الجمعة , السبت .

وأطلق يوم الجمعة على يوم العروبة لاجتماع الناس فيه للسوق .

والسوق جمع ساق , وقيل أن السوق سمي بهذا الاسم لأن البضائع تساق إليه , ولكني أرى أنه سمي بذلك لكثرة السوق فيه أي لاجتماع الناس فيه , وذلك لأن كلمة السوق بضم السين , وليس بفتحها , ومن ثم فكلمة السوق بضم السين ( مكان التجارة ) جاءت من كلمة السوق بضم السين ( جمع ساق ) , ولم تأت من كلمة السوق بفتح السين ( سوق وحمل البضائع إلى مكان معين ) .  

وأشهر سوق للعرب كان سوق عكاظ , ومعنى تَعَكَّظَ القومُ في المكان : اجتمعوا فيه وازدحموا للنظر في الأمور .

أي أن التعكّظ أو العكاظ يعني الجمعة أو الاجتماع , وأن يوم الجمعة يعني يوم العكاظ أو التعكّظ .

ويوم الجمعة يشمل سوق عكاظ وغيره من الأسواق إذ أن كلها بها اجتماع للناس , فيوم الجمعة هو صفة لليوم الذي يجتمع فيه الناس .

قال الشوكاني في قوله تعالى : " يوم الجمعة " : ( وهي صفة لليوم ، أي : يوم يجمع الناس ) . ( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية للشوكاني ) .

وعلى ذلك فقد يكون المراد بيوم الجمعة هو صفة ليوم تجتمع الناس فيه للتجارة وليس اسماً ليوم العروبة ,  فهو حينئذ يكون مثل : يوم الجمع , ويوم التلاق , ويوم الزينة , ويوم السبت , ويوم الدين , واليوم الآخر , ويوم القيامة , ويوم البعث , ويوم الوقت المعلوم , ويوم الحسرة , ويوم الفرقان يوم التقى الجمعان , ويوم الحج الأكبر , ويوم أليم , ويوم الظلة , ويوم الفتح , ويوم الفصل , ويوم الحساب , ويوم الآزفة , ويوم الأحزاب , ويوم التناد , ويوم التغابن , ويوم الوعيد , واليوم الذي كانوا يوعدون , واليوم الموعود , ويوم الخلود , ويوم الخروج , ويوم الحق .

فهذه كلها صفات لأيام , وليست أسماء لأيام الأسبوع .

وكذلك يوم السبت فقد يكون المراد به صفة ليوم الانقطاع عن العمل وليس اسماً ليوم شِيَار , ومعنى يوم السبت هو يوم الراحة والسكون وقطع العمل .

قال الله : " وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ " [البقرة : 65]

وقال الله : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا " [النساء : 47]

وقال الله : " وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا " [النساء : 154]

وقال الله : " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ " [الأعراف : 163]

وقال الله : " إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ " [النحل : 124]

معنى السبت :

 أصل السبت: القطع، ومنه سبت السير: قطعه، وسبت شعره: حلقه، وأنفه: اصطلمه، وقيل: سمي يوم السبت؛ لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والأرض يوم الأحد، فخلقها في ستة أيام كما ذكره، فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك، وسبت فلان: صار في السبت وقوله: "يوم سبتهم شرعا" (الأعراف/163) , قيل: يوم قطعهم للعمل، "ويوم لا يسبتون" (الأعراف/163) ، قيل: معناه لا يقطعون العمل، وقيل: يوم لا يكونون في السبت، وكلاهما إشارة إلى حالة واحدة، وقوله:  "إنما جعل السبت" (النحل/ 124) ، أي: ترك العمل فيه، "وجعلنا نومكم سباتا" (النبأ/9) ، أي: قطعا للعمل، وذلك إشارة إلى ما قال في صفة الليل: ﴿لتسكنوا فيه﴾ (يونس/67) .

وسَبَتَ : نامَ , استراحَ , سكَنَ , وسَبَتَ العَامِلُ : اِسْتَرَاحَ , قال الله : " إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا " . [الأعراف : 163] أي يوم راحتهم وانقطاعهم عن العمل . 
وسَبَتَ اليهودُ : قامت بأَمر سَبْتِها : وهو انقطاعهم عن المعيشة والاكتساب . قال الله : " وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ" [الأعراف : 163]

معنى سبات :

قال الله : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا " [الفرقان : 47]

وقال الله : " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا " [النبأ : 9]

السُّبَاتُ : الراحَةُ والسكون والدهر , وقيل السُّبَاتُ : النوم وأصله الراحة , ومنه قوله تعالى قال الله : " وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا " [الفرقان : 47] , وقوله تعالى : " وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا " [النبأ : 9] , أي راحة .

ولقد غيروا اسم هذا اليوم من شِيَار إلى السبت .

وسواء قلنا بأن المراد هو اسم اليوم أو صفته في الآيات فلن يتغير حكم الله , لأن اليوم يسمى بما يتصف به .

فلو قلنا أن يوم الجمعة هو اسم ليوم العروبة فنقول أن الصلاة فيه مثل بقية الأيام , فلا يوجد به خطبة أو صلاة زائدة في منتصف النهار , وأنه سمي بذلك لأن الناس تجتمع فيه للتجارة .

والسؤال حينئذ : لماذا خصه الله بالذكر ؟

أقول : لأنه يوم كانت العرب تجتمع فيه للتجارة , فذكره الله حتى لا ينشغل المسلمون بالسوق عن صلاة الفجر وصلاة العشاء .

ولو قلنا أن يوم الجمعة هو صفة لأي يوم تجتمع الناس فيه للتجارة , فنقول : أن الصلاة فيه مثل بقية الأيام , فلا يوجد به خطبة أو صلاة زائدة في منتصف النهار .

والخلاصة : سواء قلنا أن يوم الجمعة هو صفة لأي يوم يتصف بالاجتماع للتجارة , أو أنه اسم ليوم العروبة الذي يتصف بالتجارة , فإن حكم الله لن يتغير , فسواء كان اسماً أو صفة فهو يوم خاص باجتماع الناس للتجارة .

والدليل على أن يوم الجمعة خاص باجتماع الناس للتجارة من القرآن هو :

1 ـ نفس آيات سورة الجمعة , قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11) " ( سورة الجمعة ) .

الشاهد : قوله تعالى : " وَذَرُوا الْبَيْعَ " وقوله تعالى : " وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " .

فهذا اليوم هو يوم خاص بالتجارة كما هو مبين في الآيات .

ووقت الصلاة التي انشغلوا عنها هو وقت تجارة ولهو وليس وقت ظهيرة أو هاجرة وقيلولة .

2 ـ قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [النور : 58]

فوقت الظهيرة هو وقت عورة ووضع ثياب وراحة وقيلولة وليس وقت تجارة , والعرب كانت تسمي هذا الوقت بالهاجرة , فقد كانت تترك وتهجر أعمالها وتقيل , وجاء القرآن مقرراً لذلك , والسؤال : هل يأمرهم الله في سورة الجمعة بترك البيع في وقت الظهيرة وهم لا يبيعون فيه أصلاً ؟

هل هذا فهم الإخوة الأثريين ؟

أتطعنون في دين الله وحكمته وأنتم لا تعلمون ؟

3 ـ قوله تعالى : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) " ( النور ) .

فالله أمرنا بالصلاة في المساجد في وقتين اثنين فقط وهما الغدو والآصال .

ووقت الصلاة تصلح فيه التجارة , لأنه في طرفي النهار , لذا أمرنا الله بعدم الانشغال عن الصلاة بالتجارة , قال الله : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) " . ( النور ) .

أما وقت الظهيرة فهو ليس بوقت تجارة أو لهو ولا وقت صلاة .

4 ـ الكثير من الآيات التي تأمر بالصلاة في طرفي النهار والليل ولم تأمر بالصلاة وقت الظهيرة , مثل :

قوله تعالى : "  أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79) " ( الإسراء ) .

وقوله تعالى : " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " [هود : 114]

وقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " [النور : 58]

ثالثاً : ما هي الصلاة من يوم الجمعة ؟

هي مثل بقية الصلوات في بقية الأيام , فجر وعشاء , أما صلاة الليل فإن الله لم يأمرنا بصلاتها في المساجد لأن الله تعالى قد قيد الجمعة بكلمة يوم .

وأكرر : إن يوم الجمعة إما أن يكون وصفاً لأي يوم به اجتماع للتجارة , أي أنه يوم السوق أو يوم الاجتماع للتجارة .

أو أنه اسم ليوم العروبة الخاص بالاجتماع للتجارة .

ولا يعقل أن يقال أنه اسم ليوم العروبة ولكنه لا يتعلق بالاجتماع للتجارة , لأننا إذا قلنا ذلك فبمفهوم المخالفة لن تكون هناك صلوات بقية أيام الأسبوع , وهذا باطل لأن الأمر بالذهاب إلى المساجد وترك البيع ليس خاصاً فقط بيوم العروبة .

فمن قال بأن المراد بيوم الجمعة هو اسم ليوم العروبة وأنه لا يتعلق بالاجتماع للتجارة فقد ضل وأضل لأنه سيجعل الصلاة في المساجد فقط في يوم العروبة وليس في بقية الأيام وذلك بمفهوم المخالفة  .

لنتدبر الآيتين التاليتين :

قال تعالى : " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) " ( النور ) .

والسؤال للإخوة الأثريين : هل الآيتان السابقتان تعنيان الذهاب إلى المساجد لإقامة صلاة الظهر في يوم العروبة فقط أم الذهاب إلى المساجد لإقامة صلاة الفجر والعشاء في كل الأيام ؟

وهل قال الله : فاسعوا إلى الانصات إلى خطبة الجمعة , أم قال : " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " ؟

لا , بل قال تعالى : " فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ " , من أين لكم بخطبة الجمعة المبتدعة ؟

هل تستطيعون ذكر الله وقت الخطبة ؟

ومتى فرضت خطبة وصلاة الجمعة المزعومة ؟

لقد اختلف الإخوة الأثريون , فمنهم قال بأنها فُرِضَتْ بمكة قبل الهجرة ، ولم يتمَكَّن النبي من إقامتها بها، وذلك لقِلة عدد المسلمين، أو لضعف شوْكَتهم أمام قوة المشركين .

والسؤال : كيف يأمرهم الله بما لا يستطاع ؟

ومن الإخوة الأثريين من قال بأنها فرضت في المدينة .

والسؤال : أين تلك الآيات الدالة على تشريع خطبة وصلاة الجمعة ؟

لا يعقل أن يقال فرضت في سورة الجمعة , لأن سورة الجمعة تنهى عن ترك صلوات مفروضة من قبل والانشغال بالبيع عنها , فهي نزلت بعدما ترك الناس النبي قائماً وانفضوا إلى التجارة أو اللهو .

وإذا زعم أحد أن الصلاة من يوم الجمعة هي الخطبة والصلاة وقت الظهيرة من يوم العروبة , فيلزمه أن يأتي على الأقل بآية واحدة تشرع الخطبة والصلاة وقت الظهيرة من يوم العروبة .

وذلك لأن الله في سورة الجمعة ينهى من كانوا مع النبي عن تركهم لمأمور , وليس المعنى أنها بداية تشريع خطبة وصلاة .

فلقد تركوا الصلاة التي فرضها الله عليهم سابقاً وذهبوا للهو والتجارة , ولقد نهاهم الله عن هذا الفعل . أي نهاهم عن الانشغال عن الصلاة التي قد فرضها عليهم سابقاً , وليس المعنى أنه يشرع لهم صلاة لم تكن مفروضة قبل ذلك .

كما أنه لو زعم أثري أن أنها فرضت في سورة الجمعة فسيجعلها قد فرضت في آخر عهد النبي , وهو لا يقول بذلك .

وسورة الجمعة مدنية عند الإخوة الأثريين , قال السيوطي : ( سورة الجمعة هل هي مكية أو مدنية : الصحيح أنها مدنية ، لما روى البخاري عن أبي هريرة ، قال : كنا جلوسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل عليه في سورة الجمعة : "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم"  ( الجمعة : 3 ) . قلت : من هم يا رسول الله . . . . الحديث . ومعلوم أن إسلام أبي هريرة بعد الهجرة بمدة . وقوله : "قل يا أيها الذين هادوا" (6)  خطاب لليهود ، وكانوا بالمدينة . وآخر السورة نزل في انقضاضهم حال الخطبة لما قدمت العير ، كما في الأحاديث الصحيحة ، فثبت أنها مدنية كلها . ) . ( الإتقان في علوم القرآن ) .

وهي رقم 110 حسب النزول  , أي أنها من آخر ما نزل .

والسؤال : هل فرضت خطبة وصلاة الجمعة في آخر عهد النبي ؟

الإخوة الأثريون يزعمون أن النبي كان يخطب الجمعة من أول سنة في الهجرة .

ولكني أكرر إن آيات سورة الجمعة ليس معناها ابتداء فرض صلاة , بل معناها النهي عن الانشغال عن صلاة مفروضة قبل ذلك , فلقد انشغل من كانوا مع النبي عن تلك الصلاة التي فرضها الله عليهم قبل ذلك .

والسؤال : أين النص الذي يشرع أو يفيد ابتداء فرض صلاة الظهر وخطبة وصلاة الجمعة ؟

متى فرضت خطبة وصلاة الجمعة في القرآن ؟ أين تلك الآيات التي تفيد بداية تشريعها ؟

وأين خطب الجمعة المزعومة التي يزعم الإخوة الأثريون أن النبي قد قالها سنوات طوال ؟

عدم وجود تلك الخطب دليل على أمرين : الأمر الأول : بطلان حجية الآثار , فالله لم يجمع الآثار ولم يحفظها , وهذا حق . الأمر الثاني : عدم وجود خطبة للجمعة أصلاً , وهذا حق .

والخلاصة :

اليوم هو النهار , فالصلاة في المسجد تكون بالنهار .

ويوم الجمعة هو يوم خاص بالاجتماع للتجارة فهو يوم السوق , فالله تعالى أمرنا إذا نودي للصلاة من نهار الاجتماع للتجارة أو يوم السوق أن نسعى إلى ذكر الله وأن نترك البيع , ومن باب أولى فنحن مأمورون في غير يوم السوق بالصلاة في المسجد .

ولو قيل أن يوم الجمعة لا يخص التجارة , لكان لزاماً على مدعي هذا القول أن يقول أن الصلاة تكون في المسجد فقط في نهار العروبة , وليست في أي نهار آخر وليست بالليل , وذلك بمفهوم المخالفة , والسؤال : هل يستطيع أن يقول ذلك ؟

وأخيراً أذكر نفسي وإياكم :

لا يجوز لأحد أن يزعم وجود صلاة غير الصلوات المبينة في القرآن , وإلا صار القرآن ناقصاً , كما لا يجوز لأحد أن يزعم إلغاء ( نسخ ) آيات القرآن بأثر الشِّعرة الباطل , فالقرآن ناسخ غير منسوخ , ويجب علينا الإيمان به كله, كما لا يجوز لأحد أن يزعم كيفيات للصلاة غير المبينة في القرآن , فالقرآن مبين ومفصل في نفسه وتبيان وتفصيل لكل أمور الدين  .

لو جعلنا المختلف فيه إلى الله لزال الاختلاف والجهل والافتراء على الله .

لو رددنا المجمل والمتشابه إلى المبين والمحكم لزال الاختلاف والجهل والافتراء على الله .

لو تمسكنا باللسان العربي الذي نزل به القرآن ولم نحرف المعاني لزال الاختلاف والجهل والافتراء على الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق