السبت، 19 سبتمبر 2015

معنى القنوت

رسالة : بيان الصلاة التي أمر الله بها عباده

فصل : معنى القنوت

كتب : محمد الأنور آل كيال :

التاريخ : يوم شِيَار ( السبت ) , 5 من ذي الحجة 1436 هـ , 19 / 9 / 2015 م .

أولاً : القنوت عند الأثريين :

للقنوت عدة معان عند الأثريين , وهي :

1 ـ القيام , وأخذوا هذا المعنى من الأثر الباطل : " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ " ( صحيح مسلم ) .

وفسر الأثريون "طول القنوت" , بطول القيام .

2 ـ الدعاء في الصلاة في محلٍّ مخصوصٍ من القيام . ( وهذا هو القنوت اصطلاحاً عند الأثريين ) .

اِرْتَفَعَ صَوْتُهُ قُنُوتاً : دُعَاءً . 

وقد أخذوا هذا المعنى من الأثر الباطل : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " ( جامع الترمذي واللفظ له , سنن أبي داود , سنن النسائي الصغرى , السنن الكبرى للنسائي , سنن ابن ماجه , سنن الدارمي , مسند أحمد , وغيرهم ) .

3 ـ السكوت , وقد أخذوا هذا المعنى من الأثر الباطل الذي يفسير قول الله : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [البقرة : 238] .

وهو :

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ أَحَدُنَا أَخَاهُ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ " ( صحيح البخاري ) .

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ، حَتَّى نَزَلَتْ " وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " ، " فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ ". ( صحيح مسلم ) .


ثانياً : القنوت في اللسان العربي :

القنوت لغة : الطاعة والخضوع والخشوع .

اِمْرَأَةٌ قَنُوتٌ : اِمْرَأَةٌ مُطِيعَةٌ لِزَوْجِهَا .

قَنَتَ لَهُ : ذَلَّ وَخَضَعَ ، اِسْتَكَانَ .

قَنَتَ الْمُؤْمِنُ : أَطَاعَ اللَّهَ وَخَضَعَ وَخَشَعَ لَهُ , تواضع لله ولزم طاعته .

قَنَتَ لِلَّهِ : لَزِمَ طَاعَتَهُ وَأَقَرَّ لَهُ بِالعُبُودِيَّةِ .

هُوَ فِي قُنُوتِ اللَّهِ : فيِ طَاعِتِهِ . 


ثالثاً : القنوت في القرآن :

قال الله : " يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ " [آل عمران : 43]

والسؤال :

هل المعنى قومي واسكتي وادعي في القيام ؟

كيف تسكت وتدعو في نفس الوقت ؟


قال الطبري حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد  : "يا مريم اقنتي لربك " قال : كانت تصلي حتى ترم قدماها . ( تفسير الطبري ) .

قال الطبري حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو قالحدثنا الأوزاعي : "يا مريم اقنتي لربك"   قال : كانت تقوم حتى يسيل القيح من قدميها . ( تفسير الطبري ) .

قال الأوزاعي : ( لما قالت لها الملائكة ذلك قامت في الصلاة حتى ورمت قدماها وسالت دما وقيحا ) . (تفسير البغوي)

والسؤال : هل كان مجاهد والأوزاعي حاضرين ؟

هل الله يرضى بتعذيب مريم لنفسها ؟

أين التيسير والرحمة ؟

إن الله غني عن هذا التعذيب فهو أرحم الراحمين .

قال أبو جعفر الطبري : ( يعني - جل ثناؤه - بقوله - خبرا عن قيل ملائكته لمريم  : " يا مريم اقنتي لربك أخلصي الطاعة لربك وحده ) . ( تفسير الطبري )  . 

وقال أبو جعفر الطبري :  ( وقد بينا أيضا معنى " الركوع " " والسجود " بالأدلة الدالة على صحته ، وأنهما بمعنى الخشوع لله ، والخضوع له بالطاعة والعبودة .  فتأويل الآية ، إذا : يا مريم أخلصي عبادة ربك لوجهه خالصا ، واخشعي لطاعته وعبادته مع من خشع له من خلقه ، شكرا له على ما أكرمك به من الاصطفاء والتطهير من الأدناس ، والتفضيل على نساء عالم دهرك ) . ( تفسير الطبري )  . 


والخلاصة إن القنوت هو الطاعة والخضوع ومن قال بذلك فقد أصاب .

قال الله : " وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا " [الأحزاب : 31]

فهل المعنى : ومن يقوم ويسكت ويدعو في قيامه لله ورسوله ؟

لا .

قال الله : " وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ " [البقرة : 116]

هل المعنى : بل له ما في السماوات والأرض كل له قائمون ساكتون داعون ؟

هل كل المخلوقات واقفة ؟

كيف تكون المخلوقات ساكتة وداعية في نفس الوقت ؟

قال الله : " حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ " [البقرة : 238]

سؤال : هل يعقل أن يكون معنى القنوت هو القيام ؟

ما معنى وقوموا لله قائمين ؟

وكيف يكون المعنى وقوموا لله ساكتين وقد قال الله : "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا" [الإسراء : 110] , وقال تعالى : "وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ" [الأعراف : 205] .

قال الله : " الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ " [آل عمران : 17]

هل المعنى : والقائمين الساكتين الداعين ؟

قال الله : " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا " [النساء : 34]

هل المعنى : والقائمين الساكتين الداعين ؟

قال الله : " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " [النحل : 120]

قال الله : " وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ " [الروم : 26]

قال الله : " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا " [الأحزاب : 35]

قال الله : " أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ " [الزمر : 9]

لقد فسرت الفرق الضالة القنوت بالقيام وطول القيام والسكوت والدعاء وفسرت السجود بالانبطاح على الأرض على الجباه .

والسؤال : كيف يكون المعنى أمن هو قائم آناء الليل منبطحاً وقائماً ؟ ما معنى هذا الكلام ؟ كيف يكون قائماً ومنبطحاً في نفس الوقت ؟ ولماذا يكرر القيام ؟ أيعقل أن يكون المعنى أمن هو قائم آناء الله ساجداً وقائماً ؟ قائم وفي نفس الوقت قائم , ما هذه الركاكة ؟

وهل المعنى أمن هو ساكت آناء الليل منبطحاً وقائماً ؟ كيف وأنتم تعلمون بوجوب الذكر في الصلاة بصوت ؟

قال الله : " عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا " [التحريم : 5]

قال الله : " وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ " [التحريم : 12]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحمد لله رب العالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق